وزير الأوقاف: والله لا يحــب الفســــاد
أ.د / محمد مختار جمعة
وزير الأوقاف
يقول الحق سبحانه : ( وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الْأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لَا يُحِبُّ الْفَسَادَ ” ، ويقول سبحانه وتعالى: ” ظَهَرَ الْفَسَادُ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ بِمَا كَسَبَتْ أَيْدِي النَّاسِ لِيُذِيقَهُمْ بَعْضَ الَّذِي عَمِلُوا لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ” ، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” يَا مَعْشَرَ الْمُهَاجِرِينَ خَمْسٌ إِذَا ابْتُلِيتُمْ بِهِنَّ وَأَعُوذُ بِاللَّهِ أَنْ تُدْرِكُوهُنَّ لَمْ تَظْهَرِ الْفَاحِشَةُ فِي قَوْمٍ قَطُّ حَتَّى يُعْلِنُوا بِهَا إِلا فَشَا فِيهِمُ الطَّاعُونُ وَالأَوْجَاعُ الَّتِي لَمْ تَكُنْ مَضَتْ فِي أَسْلافِهِمِ الَّذِينَ مَضَوْا وَلَمْ يَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِلا أُخِذُوا بِالسِّنِينَ وَشِدَّةِ الْمَئُونَةِ وَجَوْرِ السُّلْطَانِ عَلَيْهِمْ وَلَمْ يَمْنَعُوا زَكَاةَ أَمْوَالِهِمْ إِلا مُنِعُوا الْقَطْرَ مِنَ السَّمَاءِ وَلَوْلا الْبَهَائِمُ لَمْ يُمْطَرُوا وَلَمْ يَنْقُضُوا عَهْدَ اللَّهِ وَعَهْدَ رَسُولِهِ إِلا سَلَّطَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ عَدُوًّا مِنْ غَيْرِهِمْ فَأَخَذُوا بَعْضَ مَا فِي أَيْدِيهِمْ وَمَا لَمْ تَحْكُمْ أَئِمَّتُهُمْ بِكِتَابِ اللَّهِ وَيَتَخَيَّرُوا مِمَّا أَنْزَلَ اللَّهُ إِلا جَعَلَ اللَّهُ بَأْسَهُمْ بَيْنَهُمْ ”.
صور الفساد:
لا شك أن للفساد صورًا عديدة بعضها أخلاقي ، وبعضها فكري ، وبعضها إداري ، وبعضها مالي ، والفساد هو الفساد أيّا كان لونه أو شكله ” وَاللّهُ لاَ يُحِبُّ الفَسَادَ ” ، والنفس السوية لا تقبله ، والأمم السوية تحاربه، وتعمل بأقصى طاقتها للقضاء عليها .
فمن الفساد الأخلاقي الكذب ، والخداع ، والمراوغة ، والخيانة ، والغدر ، ونقض العهود ، والأيمان الكاذبة ، وانعدام المروءة ، وذهاب الحياء أو ضعفه أو خدشه ، وإلا فما هذا الذي يحدث من تلك الجرائم الغريبة على مجتمعنا الشاذة على ثقافتنا ؟ بما لا يمكن للمجتمع أن يتقبله من التحرش الجنسي ، والاعتداء على براءة بعض الأطفال ، وهذه وإن كانت حالات فردية إلا أن تكرارها ينذر بالخطر ، ويحتاج إلى تكاتف جهود علماء الدين ، وعلماء النفس ، وعلماء الاجتماع ، وعلماء التربية ، وسائر مؤسسات المجتمع المعنية بالأخلاق والقيم واستقامة المجتمع على طريق الجادة .
ويكفي هنا أن أشير إلى أن الإسلام قد جعل الحياء شعبة من الإيمان وجزءًا لا يتجزأ منه ، فقال نبينا (صلى الله عليه وسلم) : ” الحياء بضع وسبعون شعبة أعلاها لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق والحياء شعبة من الإيمان ” .
ولم يُعلِ الإسلام – بعد عنايته بالعقيدة الصحيحة السليمة – من قدر شيئ مثلما أعلى من قدر وقيمة الأخلاق ، يلخص نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) الهدف الرئيس لرسالته ، فيقول (صلى الله عليه وسلم ) : ” إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق ” ، وسئل ( صلى الله عليه وسلم ) : ما أكثر ما يدخل الجنة يا رسول الله ؟ فقال (صلى الله عليه وسلم ) : ” حسن الخلق ” .
الفساد الإداري :
ويتركز في المجاملات ، والولاءات ، بتقديم الولاء على الكفاءة ، على أن الدول لا تنهض ولا تتقدم إلا بتقديم الكفاءات وإعطائها حقها من العدالة ما دامت هذه الكفاءة تتسم بالوطنية وطهارة اليد ، وهو ما أكّده المنهج الإسلامي في كتاب ربنا وسنة نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) ، حيث يقول الحق سبحانه وتعالى على لسان يوسف عليه السلام : ” قَالَ اجْعَلْنِي عَلَىٰ خَزَائِنِ الْأَرْضِ ۖ إِنِّي حَفِيظٌ عَلِيمٌ ” ، ويقول لسان ابنة شعيب ( عليه السلام ) : ” قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ ۖ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ” ، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” من ولي من أمر المسلمين شيئا ، فولى رجلا وهو يجد من هو أصلح للمسلمين منه فقد خان الله ورسوله ” .
الفساد المالي:
وهو الفساد الذي ضرب بجذوره في المجتمع لعقود كثيرة ، ويحتاج استئصاله لتضافر جميع المؤسسات الرقابية ، والدينية ، والفكرية ، والتربوية ، والتعليمية ، مع ضرورة الرقابة الدائمة ، والمتابعة المستمرة ، مؤكدين أن المتابعة لا تعني الشك ، وأن الثقة مهما كان قدرها لا تعني عدم المتابعة أو المراقبة .
و علينا أن نذّكر بحرمة المال العام والخاص دون أن نَكِلّ أو نَمِلّ ، وهو موضوع خطبة الجمعة الموحد اليوم 21 / 4 / 2014م ، فقد حذّر الإسلام من المال الحرام ، فقال سبحانه : ” يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا ” ، ويقول نبينا ( صلى الله عليه وسلم ) : ” إِنَّ رِجَالًا يَتَخَوَّضُونَ فِي مَالِ اللَّهِ بِغَيْرِ حَقٍّ، فَلَهُمْ النَّارُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ” ، ويقول ( صلى الله عليه وسلم ) : ” كُلُّ الْمُسْلِمِ عَلَى الْمُسْلِمِ حَرَامٌ دَمُهُ وَمَالُهُ وَعِرْضُهُ ” .